فصل: تفسير الآيات (12- 14):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتخب في تفسير القرآن



.تفسير الآية رقم (3):

{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)}
3- حرَّم الله عليكم- أيها المؤمنون- أكل لحم الميتة- وهى كل ما فارقته الروح من غير ذبح شرعى-، وأكل الدم السائل، ولحم الخنزير، وما ذكر اسم غير الله عليه عند ذبحه، وما مات خنقاً، أو التي ضربت حتى ماتت، وما سقط من علو فمات، وما مات بسبب نطح غيره له، وما مات بسبب أكل حيوان مفترس منه. وأما ما أدركتموه وفيه حياة مما يحل لكم أكله وذبحتموه فهو حلال لكم بالذبح. وحرَّم الله عليكم ما ذبح قربة للأصنام، وحرم عليكم أن تطلبوا معرفة ما كتب في الغيب بواسطة القرعة بالأقداح. وتناول شيء مما سبق تحريمه ذنب عظيم وخروج عن طاعة الله. ومن الآن انقطع رجاء الكفار في القضاء على دينكم، فلا تخافوا أن يتغلبوا عليكم، واتقوا مخالفة أوامرى. اليوم أكملت لكم أحكام دينكم، وأتممت عليكم نعمتى بإعزازكم وتثبيت أقدامكم، واخترت لكم الإسلام ديناً. فمن ألجأته ضرورة جوع إلى تناول شيء من المحرمات السابقة ففعل لدفع الهلاك عن نفسه غير منحرف إلى المعصية، فإن الله يغفر للمضطر ما أكل، دفعاً للهلاك، وهو رحيم به فيما أباح له.

.تفسير الآية رقم (4):

{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4)}
4- يسألك المؤمنون- أيها الرسول- ماذا أحل الله لهم من طعام وغيره فقل لهم: أحلّ الله لكم كل طيب تستطيبه النفوس السليمة، وأحلّ لكم ما تصطاده الجوارح التي علمتموها الصيد بالتدريب، مستمدين ذلك مما علمكم الله. فكلوا من صيدها الذي أرسلتموها إليه وأمسكته عليكم، واذكروا اسم الله عند إرسالها، واتقوا الله بالتزام ما شرع لكم، ولا تتجاوزوه، واحذروا مخالفة الله فيه، فإنه سريع الحساب.

.تفسير الآية رقم (5):

{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)}
5- اليوم- منذ نزول هذه الآية- أحل الله لك كل طيب تستطيبه النفوس السليمة، وأحل لكم طعام أهل الكتاب، وذبائحهم، مما لم يرد نص بتحريمه، كما أحل لهم طعامكم، وأحل لكم زواج الحرائر والعفائف من المؤمنات ومن أهل الكتاب، إذا أديتم لهن مهورهن قاصدين الزواج، غير مستبيحين العلاقات غير الشرعية علانية، أو بطريق اتخاذ الخلائل. ومن يجحد الدين فقد ضاع ثواب عمله الذي كان يظن أنه قربى، وهو في الآخرة من الهالكين.

.تفسير الآيات (6- 7):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6) وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)}
6- في أيها المؤمنون، إذا أردتم القيام إلى الصلاة ولم تكونوا متوضئين، فتوضأوا بغسل وجوهكم وأيديكم مع المرافق، وامسحوا رءوسكم- كلها أو بعضها- واغسلوا أرجلكم مع الكعبين. وإن كنتم جنباً عند القيام إلى الصلاة بسب ملامسة أزواجكم، فاغسلوا جميع أبدانكم بالماء، وأن كنتم مرضى مرضاً يمنع من استعمال الماء، أو كنتم مسافرين يتعسر عليكم وجود الماء، أو عند رجوعكم من مكان قضاء الحاجة، أو لامستم النساء ولم تجدوا ماء، فعليكم بالتيمم بالتراب الطهور، بمسح وجوهكم وأيديكم به. ما يريد الله فيما أمركم به أن يضيق عليكم، ولكنه شرع ذلك لتطهيركم ظاهراً وباطناً وليتم نعمه عليكم بالهداية والبيان والتيسير، لتشكروا الله على هدايته وتمام نعمته بالمداومة على طاعته.
7- واذكروا- أيها المؤمنون- نعمة الله عليكم، بهدايتكم إلى الإسلام، وحافظوا على تنفيذ عهده الذي عاهدكم عليه حين بايعتم رسوله- محمداً- على السمع والطاعة، واتقوا الله بالمحافظة على هذه العهود، فإنه سبحانه عليم بخفيات قلوبكم، فمجازيكم عليها.

.تفسير الآيات (8- 11):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)}
8- يا أيها المؤمنون، حافظوا محافظة تامة على أداء حقوق الله، وأدُّوا الشهادة بين الناس على وجهها الحق، ولا يحملنكم بغضكم الشديد لقوم على أن تجانبوا العدل معهم، بل التزموا العدل، فهو أقرب سبيل إلى خشية الله والبعد عن غضبه، واخشوا الله في كل أموركم، فإنه- سبحانه- عليم بكل ما تفعلون، ومجازيكم عليه.
9- تفضل الله فوعد الذين صدَّقوا بدينه، وعملوا الأعمال الصالحة أن يعفو عن ذنوبهم، ويجزل لهم الثواب.
10- والذين جحدوا دينه، وكذبوا بآياته الدالة على وحدانيته، وصدق رسالته، فأولئك هم أهل جهنم المخلدون فيها.
11- يا أيها المؤمنون، تذكروا نعمة الله عليكم في وقت الشدة، حين همَّ قوم- جماعة من المشركين- أن يفتكوا بكم، وبرسولكم، فمنع أذاهم عنكم، ونجاكم منهم. والزموا تقوى الله، واعتمدوا عليه وحده في أموركم، فهو كافيكم، وشأن المؤمن أن يكون اعتماده على الله وحده دائماً.

.تفسير الآيات (12- 14):

{وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12) فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14)}
12- إن الله أخذ العهد على بني إسرائيل بالسمع والطاعة، فأقام عليهم اثنى عشر رئيساً منهم لتنفيذ العهد، ووعدهم الله وعداً مؤكداً بأن يكون معهم بالعون والنصر إن أدوا الصلاة على وجهها، وآتوا الزكاة المفروضة عليهم، وصدَّقوا برسله جميعاً، ونصروهم، وأنفقوا في سبيل الخير، وإذا ما فعلوا ذلك، تجاوز الله عن ذنوبهم، وأدخلهم جناته التي تجرى من تحتها الأنهار، فمن كفر ونقض العهد منهم بعد ذلك، فقد حاد عن الطريق السوى المستقيم.
13- فبسبب نقض بني إسرائيل عهودهم، استحقوا الطرد من رحمة الله، وصارت قلوبهم صلبة لا تلين لقبول الحق، وأخذوا يصرفون كلام الله في التوراة عن معناه، إلى ما يوافق أهواءهم، وتركوا نصيباً وافياً مما أمروا به في التوراة، وستظل أيها الرسول ترى منهم ألواناً من الغدر ونقض العهد، إلا نفراً قليلا منهم آمنوا بك فلم يخونوا ولم يغدروا. فتجاوز أيها الرسول عما فرط من هؤلاء، واصفح وأحسن إليهم، إن الله يحب المحسنين.
14- وكذلك أخذ الله العهد على النصارى- الذين قالوا: إنا نصارى- بالإيمان بالإنجيل وبالوحدانية، فتركوا نصيباً وافراً مما أُمروا به في الإنجيل، فعاقبهم الله على ذلك بإثارة العداوة والخصومة بينهم، فصاروا فرقاً متعادية إلى يوم القيامة، وسوف يخبرهم الله يومئذ بما كانوا يعملون ويجازيهم عليه.

.تفسير الآيات (15- 18):

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)}
15- يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا- محمد- داعياً إلى الحق، يظهر لكم كثيراً مما كنتم تكتمونه من التوراة والإنجيل، ويدع كثيراً مما أخفيتموه مِمَّا لم تدع الحاجة إلى إظهاره، قد جاءكم من عند الله شريعة كاملة هي نور في ذاتها، ويبيِّنها كتاب واضح.
16- يهدى الله بهذا الكتاب إلى سبيل النجاة من اتجه إلى مرضاته، ويخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان بتوفيقه، ويرشدهم إلى طريق الحق.
17- لقد كفر الذين زعموا- باطلا- أن الله هو المسيح ابن مريم، فقل-أيها الرسول- لهؤلاء المجترئين على مقام الألوهية: لا يستطيع أحد أن يمنع مشيئة الله إن أراد أن يهلك عيسى وأمه، ويهلك جميع مَن في الأرض فإن لله- وحده- ملك السموات والأرض وما بينهما، يخلق ما يشاء على أي مثال أراد، والله عظيم القدرة لا يعجزه شيء.
18- وقالت اليهود والنصارى: إننا المفضلون، لأننا أبناء الله والمحببون لديه فقل لهم- أيها الرسول-: فلماذا يعذبكم بذنوبكم، ويصليكم نار جهنم؟ لقد كذبتم لأنكم كسائر البشر مخلوقون ومحاسبون على أعمالكم، وبيد الله- وحده- المغفرة لمن يشاء أن يغفر له، والعذاب لمن يشاء أن يعذبه، لأن لله ملك السموات والأرض وما بينهما، وإليه المنتهى.

.تفسير الآيات (19- 23):

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20) يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23)}
19- يا أهل الكتاب قد جاءتكم رسالة رسولنا الذي يظهر لكم الحق، بعد إذ توقفت الرسالات فترة من الزمن، حتى لا تعتذروا عن كفركم بأن الله لم يبعث إليكم مبشِّراً ولا منذراً، ها هو ذا قد أتاكم بشيرٌ ونذيرٌ، والله هو القادر على كل أمر- ومنه: إنزال الرسالات- ومحاسبكم على ما كان منكم.
20- واذكر- أيها الرسول- حينما قال موسى لقومه: يا قوم اذكروا بالشكر والطاعة نعم الله عليكم، حيث اختار منكم أنبياء كثيرين، وجعلكم أعزة كالملوك، بعد أن كنتم أذلاّء في مملكة فرعون، ومنحكم من النعم الأخرى ما لم يؤت أحداً غيركم من العالمين.
21- يا قوم أطيعوا أمر الله، فادخلوا الأرض المقدسة التي قدَّر الله عليكم دخولها، ولا تتراجعوا أمام أهلها الجبارين، فتعودوا خاسرين نصر الله ورضوانه.
22- قال بنو إسرائيل مخالفين أمر الله: يا موسى، إن في هذه الأرض جبابرة لا طاقة لنا بهم، فلن ندخلها ما داموا فيها، فإذا ما خرجوا منها دخلناها.
23- قال رجلان من نقبائهم الذين يخشون الله، وأنعم الله عليهما بالإيمان والطاعة: ادخلوا- أيها القوم- على الجبارين باب المدينة مفاجئين، فإذا فعلتم ذلك فإنكم منتصرون عليهم، وتوكلوا على الله- وحده- في كل أموركم إن كنتم صادقى الإيمان.

.تفسير الآيات (24- 28):

{قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28)}
24- فأصروا على المخالفة، وقالوا: يا موسى، إنا معتزمون ألا ندخل هذه الأرض أبداً، ما دام فيها الجبارون، فدعنا نحن، فليس لك علينا من سلطان، واذهب أنت وربك فقاتلا الجبارين، فإنا في هذا المكان مقيمون.
25- حين ذلك فزع موسى إلى ربه قائلاً: ربِّ لا سلطان لى إلا على نفسى وأخى، فاقض بعدلك بيننا وبين هؤلاء المعاندين.
26- فاستجاب الله لموسى، وحرَّم على أولئك المخالفين دخول هذه الأرض طيلة أربعين عاماً، يضلُّون في الصحراء لا يهتدون إلى جهة. قال الله لموسى يواسيه: لا تحزن على ما أصابهم، فإنهم فاسقون خارجون عن أمر الله.
27- وإن حب الاعتداء في طبيعة بعض الناس، فاقرأ- أيها النبى- على اليهود- وأنت صادق- خبر هابيل وقابيل ابنى آدم، حين تقرَّب كل منهما إلى الله بشئ، فتقبل الله قربان أحدهما لإخلاصه، ولم يتقبل من الآخر لعدم إخلاصه، فحسد أخاه وتوعده بالقتل حقداً عليه، فرد عليه أخوه مبيناً له أن الله لا يتقبل العمل إلا من الاتقياء المخلصين في تقربهم.
28- وقال له: لئن أغواك الشيطان فمددت يدك نحوى لتقتلنى، فلن أعاملك بالمثل، ولن أمد يدى إليك لأقتلك، لأنى أخاف عذاب ربى، وهو الله رب العالمين.